Nile River ⛵️
Aswan,Egypt
Shot & edit by me
نصيحة إنسان مُحب ..
في فترة من الفترات قبل سنوات، مرّت علي كتابات ومنشورات للعديد من العلماء الذين أتابعهم وأحترمهم اليوم، حينها لم أكن أعرفهم، وحينها أذكر تماماً ردّة فعلي، كنت أراهم متشدّدين، كنت أظنّهم متزمّتين ويشهد الله على قولي هذا.
فترة بعدها أردت التعمّق بالدين الإسلامي أكثر وأخبرتكم منذ فترة عن تلك المرحلة. تعرفون ماذا حدث؟ والله ما وجدت نفسي إلا أؤمن بما قالوه سابقاً، ووجدت المشكلة ليست عندهم، ووجدت أنّهم ليسوا متعصّبين ولا متطرّفين، لكن أنا الذي كنت حينها مستهتراً.
خلاصة مقالي هذا، نعم قد يكون هنالك متطرّفون بكل تأكيد، لكن ما الحكم هنا بين تطرّفهم وتعصّبهم ربّما أو بين استهتارك وجهلك بدينك أنت؟
الحكم هو المعرفة، أن تتعلّم وتتفقّه في دينك، وحينها مع صدق نيّتك مع الله ستميز الملتزم السوي من المتطرّف المتشدّد.
أقول هذا الكلام لأننا اليوم نرمي كلّ إنسان ينادي بشيء من الدين “لا يُعجبنا” بأنّه متطرّف، ليس لأن ما يدعو إليه باطل، بل لأنّ ما يُظهره لنا من الدين لا يتوافق مع ما نريده للدين أن يكون، فيُصبح رميهم بالتطرّف والتشدّد شغلنا الشاغل، دون علم ودون بيّنة.
يوماً ما، كنت أرى أن من يحرّم المصافحة بين الرجل والمرأة هو إنسان متشدّد، لكن حينما درست الدين وجدت أنني ظلمته، وجدت أن هذا التحريم هو قول الدين قبل أن يكون قول هذا الرجل، فهل الدين متشدّد أم أنا الذي وضعت صورةً في بالي عن العلاقة بين الرجل والمرأة وأحببت أن يكون الدين موافقاً لها!
من يتمسّك بدينه ليس متطرّفاً ...
نور مشلّح.
عساها أن تكون صدقة جارية لي ولكم
التطرُّف ليس فِكرًا..
التطرُّف نفسية تبحث عن فِكرٍ يُبرّرُها.
-- علي الجفري
إن كنتَ غبت عن العيون مهاجرًا
فجميل شخصك في فؤَادي لم يَزَل.
يَعود القلب طِفلًا ريَّان المشاعر، إذا تاب أو أَحبَّ!
وجدان العلي
المرحوم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي تميز بميزة فريدة عن الكثير من زملائه من علماء الشريعة جعلته شخصية هامة و محورية ساهمت في تكوين عقلية طالب العلم في بلاد الشام على مر عقود من الزمن ..
هذه الميزة ليست كثرة العلم الشرعي بميادينه المختلفة ( العقيدة ، الفقه ، التصوف ، أصول الفقه ، السيرة ، الحديث ... ) فهذه الكثرة موجودة عند شيخنا البوطي و عند غيره من زملائه من العلماء كشيخنا الدكتور وهبة الزحيلي و الشيخ ولي الدين الفرفور و الشيخ الدكتور نور الدين عتر و غيرهم ..
لكن الميزة الفريدة التي تفرد بها عنهم أنه كان يجمع بين الغنى في العلم الشرعي و بين الاشتغال بقضايا الأمة الفكرية متصدياً للرد على الزائغين و اعداء الدين بمنهج علمي فريد ، و كان يوصل فكره عن طريق شتى القنوات الممكنة سواء في الكتب أو المحاضرات أو الدروس العامة أو المقالات التي تنشر على النت أو البرامج التلفزيونية .. مقتدياً بكل ذلك بقوله تعالى :
(( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))
كان في نفس الوقت الذي يدّرس فيه الكتب الشرعية مثل شرح رياض الصالحين و الرسالة القشيرية و موطأ الإمام مالك كان أيضاً يرد على العلمانيين و منكري السنة و المستشرقين ..
عندما كان بعض المشايخ في البلاد الإسلامية ينالون من الشيخ و يطعنون في دينه و عقيدته و سلوكه كان رحمه الله يكتب في الرد على الماديين الجدليين و كان يناظر القوميين العرب و يبين لهم خطورة الفكر القومي و مكامن الضعف فيه..
ناقش بعض الفلاسفة كالدكتور الطيب التيزيني في قضايا فلسفية و شرعية هامة و أظهر قدرة كبيرة على الغوص في هذه الأمور و إثبات صحة ما يراه بأدلة شرعية و منطقية و فلسفية ..
عندما رأى من المدرسة التي درس فيها المرحلة الجامعية ( الأزهر ) انحراف في المنهج و الفتوى كتب في الرد عليهم مبين السبب الذي من أجله تغير فكر الأزهر و ناقش بعض الاخطاء التي وقعوا فيها سواء في العقيدة أو الفقه ، على سبيل المثال عندما علم أن شيخ الأزهر افتى بإباحة أخذ فوائد من البنوك بحجج ذكرها ، رد عليه الشيخ بمحاضرة بين فيها أن الحجج التي ذكرها شيخ الأزهر حجج واهية و أظهر الدكتور البوطي آنذاك معرفة جيدة بالاقتصاد حيث تكلم من ناحية اقتصادية و من ناحية شرعية ..
تكلم الدكتور البوطي عن ضرورة عدم اكتفاء طالب العلم الشرعي على ما يدرسه في كتب الفقه و الأصول بل عليه أن يكون مطلع على الأفكار و المدارس الفكرية الجديدة خصوصاً تلك التي تمس العقيدة ، كالمدارس الفلسفية الجديدة و نظرية التطور .. بل جاهد رحمه الله لإدخال هذه الأمور في المنهج العلمي المقرر في كلية الشريعة في جامعة دمشق كما ذكر في مقدمة كتابه "المذاهب التوحيدية و الفلسفات المعاصرة" حيث قال :
(( لقد كان الحل الذي تم الاتفاق عليه يتمثل في تطوير الخطة الدراسية لمنهاج قسم العقائد و الأديان و ذلك بإدخال التيارات الفكرية الحديثة التي تستورد منها الشبهات المصطنعة و المعنونة بعنوان العلم و الفلسفة .. بناء على هذا الاقتراح الذي تقدم به مجلس الكلية أدخلت بموجبه مفردات جديدة لمقرر العقيدة الإسلامية و هي دراسة المادية الجدلية و المادية التاريخية و الفلسفة الوجودية و نظريات التطور على أنه تدرس بطريقة نقدية طبق منهج علمي حيادي يكشف عن موقف موازين العلم و ضوابطه من هذه التيارات الفكرية ))
و مع ذلك فالدكتور لم يرض أن يتوقف ذلك على طلاب الكليات الشرعية فهو يعلم أن خارج هذه الكليات يوجد الكثير من طلاب العلم المهتمين بالعلم الشرعي و المهتمين بالرد على دعاة العلمنة و القومية .. لذا فقد كتب كتاب رائع سماه ( يغالطونك إذ يقولون ) يشير إلى الكثير من المغالطات الفكرية التي تمس حياة الناس و التي تشكل آفات تسري في كيان العالم الإسلامي و التي يدعو لها بعض الزائغين و قام بشرح هذا الكتاب الذي يرد فيه على هؤلاء بشكل علمي منهجي في مسجد الإيمان في درسه الذي كان يحضره أكثر من ألفي طالب علم ..
أما كتابه ( فقه السيرة النبوية ) فجاء خانقاً لأفكار من تلطخ عقله بشبهات المستشرقين من ابناء الأمة الإسلامية الذين كتبوا كتباً في السيرة تختلف عن منهج العلماء المشهود لهم بالخيرية ، فرد فيه على أصحاب القراءة المعاصرة للسيرة النبوية من ابناء المدرسة التي تسمي نفسها ( مدرسة الإصلاح الديني ) التي يتزعمها كل من جمال الدين الأفغاني و محمد عبده .. و يسير على منوالها أمثال محمد فريد وجدي و الشيخ المراغي و محمد هيكل فرد عليهم جميعاً بهذا الكتاب المميز ..
و كذلك كتابه في العقيدة ( كبرى اليقينيات الكونية ) الذي يجمع بين أصالة كتب المتقدمين من علماء العقيدة و بين أسلوب العصر و روحه ، رد فيه على أصحاب المدرسة الإصلاحية و بين مغالطاتهم ، و انتصر في هذا الكتاب لمذهبه في العقيدة و رد على ما يثار حول هذا المذهب من ادعاءات لا تصح في مواضيع القضاء و القدر و الاسماء و الصفات و مقام النبي الأعظم ، و عندما رأى أن الكلام كثر في موضوع القضاء و القدر ألف كتابه الهام ( الإنسان مسير أم مخير ) استطاع فيه تبسيط المسألة دون أن يكون التبسيط مخل و رد في نفس الكتاب على ( مشكلة الشر ) التي تعكر صفو عقيدة بعض الشباب ..
الكثير من كتبه جاءت لنفس الغرض فله كتاب بعنوان( لا يأتيه الباطل ) ناقش فيه الشبهات المعاصرة التي تثار حول القرآن الكريم و رد عليها ، و كتب كتاب سماه ( هذه مشكلاتهم ) ناقش فيه اسئلة طرحت عليه من قبل أحد الصحفيين تمس التشريع الإسلامي و واقع المسلمين ، و عندما رأى أن هناك من يثير موضوع الحدود الإسلامية كتب في ذلك أيضاً و تكلم في ذلك في محاضرات كثيرة و كذلك موضوع المرأة في الإسلام و موضوع الجهاد ..
كتب أيضاً كتاب سماه ( اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة ) .. ناقش فيه أحد دعاة ترك المذاهب الفقهية ممن يقدم على أنه عالم كبير ، اثبت الدكتور البوطي فيه خطورة هذه الدعوة الشاذة و بين فيه ملخص ما ذكره العلماء من ضرورة التمذهب ، و لخطورة هذا الأمر لم يكتف الدكتور في بيان ذلك في كتابه بل قدم سلسلة محاضرات بعنوان ( تاريخ التشريع الإسلامي ) من أجمل ما قدم ، تكلم فيها عن ضرورة علم أصول الفقه و عن نشوء المذاهب الأربعة و أهمية التمذهب بأحد هذه المذاهب ..
حتى رسالته في الدكتوراة التي تحمل عنوان ( ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية ) جاءت رد على اعداء الدين الذين جاؤوا بمظهر جديد هو مظهر الغيارى على الدين ممن يريد هدم الإسلام من داخله بدعاوي عريضة قد تخدع العوام كدعاوي مقاصد الشريعة و المصلحة ، هذه الدعاوي التي تهدم الشرع باسمه و من داخله .. فجاءت ردوده عليهم ردود تظهر جهلهم من جانب و تظهر عظمة الشرع من جانب آخر ..
كتب الدكتور و محاضراته تشكل درع واقي من كل الشبهات و الأطروحات ..
لن استطيع أن احيط بالموضوع من كل جوانبه فالموضوع كبير جداً و أنا كواحد من مئات الألوف من طلابه انصح بدروس الرجل و كتبه بغض النظر عما يعكر صفو ذلك من آراء حول منهج الرجل و علاقته برجال السلطة في بلده ..
بل لا يوجد أي قيمة للحديث عن الرجل سياسياً و كذلك باقي العلماء ممن خاض و تكلم في قضايا سياسية لأن الأصل في هؤلاء أنهم علماء شريعة و نحن ينبغي أن نستفيد من علم أي عالم حتى لو كنا نخالفه في التوجه السياسي ..و من يخالف الدكتور البوطي يستطيع - إن كان عاقلاً منصفاً- أن يجمع بين حسن الظن به و الاستفادة من علمه و بين موقفه المعارض له ..
نسأل الله الرحمة لهذا العالم و لغيره من العلماء .
- عمران أبو شعر.
وتأنَسُ النّفسُ في نفْسٍ تُوافِقُها
بالفكرِ والطّبعِ والغاياتِ والقيمِ
💙..